فصل: الْفَصْلُ الرَّابِعُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب نصب العادة للمبتدأة:

(قَالَ): رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ بِأَنَّ بُلُوغَ الْمَرْأَةِ قَدْ يَكُونُ بِالسِّنِّ وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَلَامَةِ وَالْعَلَامَةُ إمَّا الْحَيْضُ وَإِمَّا الْحَبَلُ فَنَبْتَدِئُ بِالْحَيْضِ فَنَقُولُ: إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا صَحِيحًا وَطُهْرًا صَحِيحًا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي صَاحِبَةِ الْعَادَةِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ عَادَتُهَا بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ هُنَا الِانْتِقَالَ عَنْ حَالَةِ الصِّغَرِ، وَذَلِكَ عَادَةٌ فِي النِّسَاءِ فَيَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَأَمَّا فِي صَاحِبَةِ الْعَادَةِ الِانْتِقَالُ عَنْ الْعَادَةِ الثَّابِتَةِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَادَةٍ فَلَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ حَتَّى يَتَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى نَسْخِ الْعَادَةِ الْأُولَى وَإِثْبَاتِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَأَمَّا هُنَا الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْعَادَةِ دُونَ النَّسْخِ فَيَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ.
وَبَيَانُ هَذَا مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَةَ يَوْمًا، وَذَلِكَ دَأْبُهَا ثُمَّ تَفْسِيرُ الدَّمِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يَصِيرُ مَغْلُوبًا بِالطُّهْرِ وَتَفْسِيرُ الطُّهْرِ الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِدَمٍ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ وَكَانَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَرْبَعَةُ فُصُولٍ إمَّا أَنْ يَفْسُدَ الدَّمُ وَالطُّهْرُ جَمِيعًا أَوْ يَفْسُدَ الدَّمُ وَيَصِحَّ الطُّهْرُ أَوْ يَصِحَّ الدَّمُ وَيَفْسُدَ الطُّهْرُ أَوْ يَكُونَ الدَّمُ صَحِيحًا، وَالطُّهْرُ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنَّهُ يَفْسُدُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ.

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ:

أَمَّا بَيَانُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرً يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا الدَّمُ، وَالطُّهْرُ فَاسِدَانِ فَكَأَنَّهَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ ابْتِدَاءً فَكَانَ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةً وَطُهْرُهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ عِشْرُونَ وَمَعَنَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تُصَلِّي يَوْمَيْنِ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ فَإِنْ كَانَ الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالطُّهْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ يَوْمًا وَاحِدًا تَمَامَ عِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ سِتَّةَ عَشَرَ فَأَوَّلُ الِاسْتِمْرَارِ يُوَافِقُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَتَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ نَسُوقُ الْمَسْأَلَةَ هَكَذَا إلَى أَنْ يَكُونَ الدَّمُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ وَالطُّهْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ حَيْضٌ وَقَدْ صَلَّتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالدَّمِ ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرُ سَبْعَةٍ تَمَامَ الطُّهْرِ وَسَبْعَةٍ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ثَلَاثَةٌ فَالثَّلَاثَةُ حَيْضٌ كَامِلٌ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً ثُمَّ تُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا فَإِنْ كَانَ الدَّمُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَنَقُولُ: سِتَّةٌ مِنْ طُهْرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَقِيَّةُ طُهْرِهَا بَقِيَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ مَوْضِعُ حَيْضِهَا الثَّانِي لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا يَوْمَانِ، وَيَوْمَانِ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَهَذِهِ لَمْ تَرَ مَرَّةً فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْقُلُ الْعَادَةَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَرَى الْإِبْدَالَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الِانْتِقَالِ.

.الْفَصْلُ الثَّانِي:

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّانِي مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَنَقُولُ: الدَّمُ هُنَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَبِفَسَادِهِ يَفْسُدُ الطُّهْرُ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ بِالدَّمِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ فَجَاءَ الِاسْتِمْرَارُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا أَرْبَعَةٌ فَتُصَلِّي أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً، وَتُصَلِّي عِشْرِينَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ طُهْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الدَّمِ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الدَّمِ حَتَّى كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَيْضًا فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الطُّهْرِ أَوْلَى وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الطُّهْرِ لَا مِنْ الْحَيْضِ فَرُؤْيَةُ الدَّمِ الْفَاسِدِ فِيهِ تُؤَثِّرُ فِي الطُّهْرِ.

.الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّالِثِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ صَحِيحًا وَالطُّهْرُ فَاسِدًا بِأَنْ نَقُولَ: مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَجَاءَ الِاسْتِمْرَارُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُصَلِّي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ دَأْبُهَا.

.الْفَصْلُ الرَّابِعُ:

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا الدَّمُ فِي الثَّلَاثَةِ صَحِيحٌ، وَالطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا رَأَتْ بَعْدَهُ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ خَتْمَهَا بِالطُّهْرِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْإِبْدَالِ فَتُصَلِّي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ضَرُورَةً فَيَفْسُدُ بِهِ ذَلِكَ الطُّهْرُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِنَصْبِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةً وَطُهْرُهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَقَدْ مَضَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتُصَلِّي تِسْعَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثُمَّ تَتْرُكُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَتُصَلِّي سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَوْ رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءَ أَرْبَعَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا الطُّهْرُ صَحِيحٌ صَالِحٌ لِنَصْبِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ دَمَ يَوْمٍ وَطُهْرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَمَامُ الْأَرْبَعَةِ فَابْتَدَأَ الْحَيْضُ الثَّانِيَ وَخَتَمَهُ بِالدَّمِ فَلِهَذَا كَانَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ خَالِصًا فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ يَوْمًا، وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَدَعُ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ الدَّمَ يَوْمًا وَالطُّهْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالدَّمَ يَوْمًا، وَالطُّهْرَ ثَلَاثَةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الطُّهْرُ خَالِصٌ هُنَا صَالِحٌ لِنَصْبِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ يَوْمَيْنِ إلَى مَا رَأَتْ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُجْعَلُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا فَكَانَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ خَالِصًا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْيَوْمُ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَإِنَّمَا حَيْضُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِدَمٍ فَكَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ وَقَدْ مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمٌ دَمٌ وَثَلَاثَةُ طُهْرٌ قَدْ صَلَّتْ فِيهِ فَذَلِكَ تِسْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَوْمٌ دَمٌ قَدْ صَلَّتْ فِيهِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرٌ وَلَا يَبْتَدِئُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ فَقَدْ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ، وَالْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا سَبْعَةٌ فَتَدَعُ سَبْعَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَسَائِلِ.

.فَصْلٌ: فِي نَصْبِ الْعَادَةِ أَيْضًا:

إذَا اُبْتُلِيَتْ الْمُبْتَدَأَةُ بِالِاسْتِمْرَارِ بَعْدَ مَا يَكُونُ مِنْهَا الصِّحَاحُ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَطْهَارِ، فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَرَى دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ وَالثَّالِثُ: أَنْ تَرَى ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ وَثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تَرَى مُتَّفِقَيْنِ بَعْدَهُمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ، وَالْخَامِسُ: أَنْ تَرَى مُتَّفِقَيْنِ بَيْنَهُمَا مَا يُخَالِفُهُمَا ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ.
فَصُورَةُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْ صَارَ عَادَةً قَوِيَّةً بِالتَّكْرَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ رَأَتْهُ مَرَّةً صَارَ عَادَةً لَهَا فَإِذَا رَأَتْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْلَى.
وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّانِي مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَبْنِي مَا رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا رَأَتْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُزَاحِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ لَا تَبْنِي وَلَكِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْ أَرْبَعَةً دَمًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا مُدَّةُ حَيْضِهَا، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ حِسَابِ طُهْرِهَا، وَلَكِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ لِرُؤْيَةِ الدَّمِ فَلَمَّا طَهُرَتْ سِتَّةَ عَشَرَةً فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهَا تَمَامُ طُهْرِهَا وَيَوْمَيْنِ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرَ فِيهِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ بِدَايَةَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ بِالطُّهْرِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا يَوْمٌ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى صَارَ عَادَةً لَهَا بِالْمَرَّةِ، وَالْوَاحِدَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ تَبْنِي مَا تَرَى عَلَى عَادَتِهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُضُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ بَنَتْ عَلَيْهِ مَا تَرَى بَعْدَهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْهُ مَرَّةً وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ مَا رَأَتْ ثَانِيًا فِي صِفَةِ الصِّحَّةِ مِثْلُ مَا رَأَتْهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا تَبْنِي الْفَاسِدَ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَمَّا الصَّحِيحُ لَا يُبْنَى عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ لِلْمُبْتَدَأَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا الْعَادَةُ فِي الْأَصْلِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي بِنَاءِ الصَّحِيحِ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ إذَا مَا رَأَتْ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ، وَتَرَجَّحَ بِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اسْتَأْنَفَتْ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمُدَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَائِدَةٌ إلَيْهَا فَالْأَقَلُّ مَوْجُودٌ فِي الْأَكْثَرِ فَتَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ أَرْبَعَةً وَالطُّهْرَ سِتَّةَ عَشَرَ، وَالدَّمَ خَمْسَةً وَالطُّهْرَ سَبْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا تَبْنِي بَعْضَ الصِّحَاحِ عَلَى الْبَعْضِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ فَيَقُولُ: هُنَا رَأَتْ مَرَّتَيْنِ خِلَافَ مَا رَأَتْ أَوَّلًا وَالْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّتَيْنِ فَلِهَذَا تَبْنِي الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُنَاكَ إنَّمَا رَأَتْ خِلَافَ الْعَادَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا تَنْتَقِلُ بِهِ الْعَادَةُ فَلِهَذَا تَبْنِي الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: تَبْنِي عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّجْمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصُّورَةِ فَإِنَّ أَوْسَطَ الْأَعْدَادِ أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَهَكَذَا أَقَلُّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قُلِبَتْ الصُّورَةُ فَقُلْتُ: رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسَةً وَسَبْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرْبَعَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَلَاثَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَعَلَى قَوْلِ مِنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: بِأَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ عِنْدَ التَّعَارُضِ الْعَدْلُ هُوَ الْوَسَطُ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ يَلْزَمُهُ عَبْدٌ وَسَطٌ وَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَ التَّعَارُضِ تَبْنِي فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى أَوْسَطِ الْأَزْمَانِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ أَقَلَّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مَوْجُودٌ فِي الْكَثِيرِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النِّسَاءِ فَإِنَّ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَاج إلَى حِفْظِ جَمِيعِ مَا تَرَى لِيَتَبَيَّنَ الْأَوْسَطُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ لَا تَحْتَاجُ إلَى حِفْظِ مَرَّتَيْنِ لِتَبْنِيَ عَلَى أَقَلِّهِمَا وَلِلْيُسْرِ أَخَذُوا بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْفَتْوَى كَمَا أَنَّ فِي مَسَائِلِ الِانْتِقَالِ أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ عَلَى النِّسَاءِ وَبَيَانُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ سِتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ: الْعَادَةُ لَا تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً فَكَانَ الْبِنَاءُ بَاقِيًا فَحِينَ رَأَتْ أَرْبَعَةً فَثَلَاثَةٌ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ حَيْضِهَا وَيَوْمٌ مِنْ حِسَابِ طُهْرِهَا وَمِنْ سِتَّةَ عَشَرَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَمَامُ طُهْرِهَا وَيَوْمَانِ مِنْ حِسَابِ حَيْضِهَا لَمْ تَرَ فِيهِ فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً فَتَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا.
وَبَيَانُ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَذَلِكَ عَادَةٌ جَعْلِيَّةٌ لَهَا فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ كَانَتْ عَادَةً أَصْلِيَّةً لَهَا فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالِفٌ صَارَ مَا رَأَتْ مَرَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ عَادَةً جَعْلِيَّةً لَهَا، وَمَعْنَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّا جَعَلْنَا مَا رَأَتْهُ آخِرًا كَالْمَضْمُومِ إلَى مَا رَأَتْهُ أَوَّلًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي الْعَدَدِ فَتَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ وَصَارَ عَادَةً لَهَا تَبْنِي عَلَيْهِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ.
(فَصْلٌ): مُبْتَدَأَةٌ بَلَغَتْ بِالْحَبَلِ بِأَنْ حَبِلَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَوَلَدَتْ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاسُهَا سَاعَةٌ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْحَيْضِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَ الْإِمْكَان فَكَذَلِكَ هُنَا الْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ النِّفَاسِ، وَعِنْدَهُ هُنَاكَ الْمُعْتَبَرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَكَذَا نِفَاسُهَا أَقَلُّ النِّفَاسِ، وَذَلِكَ سَاعَةٌ ثُمَّ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ يُجْعَلُ طُهْرُهَا عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَوَالَى حَيْضَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لَا يَتَوَالَى حَيْضٌ وَنِفَاسٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ حَيْضَ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ مِنْ الطُّهْرِ فِي مِقْدَارِ الْعَدَدِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا طُهْرَهَا عِشْرِينَ وَحَيْضَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً، وَذَلِكَ دَأْبُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهَذَا طُهْرٌ قَاصِرٌ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَكَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً؛ لِأَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ فَيَصِيرُ عَادَةً لَهَا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا عَادَةَ لَهَا فِي الْحَيْضِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا عَشَرَةً فَلِهَذَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً، وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا فِي كُلِّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَسُوقُ الْمَسْأَلَةَ إلَى أَنْ نَقُولَ: طَهُرَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تِسْعَةً ثُمَّ تُصَلِّي أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ذَلِكَ دَأْبُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَهُرَتْ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ ذَلِكَ حَيْضًا بَلْ هُوَ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَعَادَتُهَا بِالطُّهْرِ وَالْحَيْضُ يَجْتَمِعُ فِي الشَّهْرِ فَإِذَا صَارَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ طُهْرًا لَهَا لَمْ يَبْقَ لِحَيْضِهَا إلَّا تِسْعَةٌ فَجَعَلْنَا حَيْضَهَا تِسْعَةً أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ خَمْسَةً فِي الِابْتِدَاءَ ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ جَعَلْنَا حَيْضَهَا خَمْسَةً وَطُهْرَهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً وَتُصَلِّي وَاحِدًا وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا فَيَكُونُ دَوْرُهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ: لِأَنَّا إنَّمَا قَدَّرْنَا الطُّهْرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَكْثَرِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحَيْضِ فَأَكْثَرُهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ عَشَرَةٌ فَكَانَ طُهْرُهَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا رَأَتْ، وَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ ثُمَّ نَسُوقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى أَنْ نَقُولَ: طَهُرَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَاقِي مِنْ الشَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةٌ وَدَوْرُهَا فِي كُلِّ سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ طَهُرَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَدَوْرُهَا فِي كُلِّ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّهْرِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا لَهَا فَلِأَجْلِ التَّعَذُّرِ رَجَعْنَا إلَى اعْتِبَارِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَتَرَكْنَا مَعْنَى اجْتِمَاعِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَإِنْ رَأَتْ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا دَمًا كَمَا وَلَدَتْ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بِالدَّمِ فَيَفْسُدُ بِهِ طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ فَلِهَذَا كَانَ طُهْرُهَا عِشْرِينَ فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تُصَلِّي أَرْبَعَةً تَمَامَ طُهْرِهَا ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ طُهْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ كَمَا بَيَّنَّا فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَدَعُ عَشَرَةً، وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.